حجاب المرأة
وأما المرأة الحرة فعورة كلها إلا الوجه والكفين.. على هذا أكثر أهل العلم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها). ولأن ذلك واجب كشفه في الإحرام." تفسير القرطبي لقوله تعالى { {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم }
لرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ولم يقنع بقولهم : إنه سنة ومستحبة
للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني
" جاء في " الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد ابن حنبل " للشيخ علاء الدين المرداوي ( 1 / 452 ) :
" الصحيح من المذاهب أن الوجه ليس من العورة " .
ثم ذكر مثله في الكفين وهو اختيار ابن قدامة المقدسي في " المغني " ( 1 / 637 ) واستدل لاختياره ينهيه صلى الله عليه وسلم المحرمة عن لبس القفازين والنقاب وقال لو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء " .
وهو الذي اعتمده وجزم به في كتابه " العمدة " ( 66
" ويبدو لي أنهم - لشعورهم في قرارة نفوسهم بضعف حجتهم - يلجؤون إلى استعمال الرأي ولغة العواطف - أو ما يشبه الفلسفة - فيقولون : إن أجمل ما في المرأة وجهها فمن غير المعقول أن يجوز لها أن تكشف عنه فقيل لهم : وأجمل ما في الوجه العينان فعموها إذن ومروها أن تسترهما بجلبابها . وقيل لهم على طريق المعارضة : وأجمل ما في الرجل - بالنسبة للمرأة - وجهه فمروا الرجال أيضا - بفلسفتكم هذه - أن يستروا وجوههم أيضا أمام النساء وبخاصة من كان منهم بارع الجمال "
" وفي " المعجم الوسيط " - تأليف لجنة من العلماء تحت إشراف " مجمع اللغة العربية " - ما نصه :
" ( الخمار ) : كل ما ستر ومنه خمار المرأة وهو ثوب تغطي به رأسها ومنه العمامة لأن الرجل يغطي بها رأسه ويديرها تحت الحنك " .
فهذه نصوص صريحة من هؤلاء العلماء على أن الخمار بالنسبة للمرأة كالعمامة بالنسبة للرجل فكما أن العمامة عند إطلاقها لا تعني تغطية وجه الرجل فكذلك الخمار عند إطلاقه لا يعني تغطية وجه المرأة به .
وعلى هذا جري العلماء على اختلاف اختصاصاتهم من : المفسرين والمحدثين والفقهاء واللغويين وغيرهم سلفا وخلفا وقد تيسر لي الوقوف على كلمات أكثر من أربعين واحدا منهم ذكرت نصوصها في البحث المشار إليه في المقدمة وقد أجمعت كلها على ذكر الرأس دون الوجه في تعريفهم للخمار أفهؤلاء الأساطين - أيها الشيخ - مخطئون - وهم القوم لا يشقى متبعهم - وأنت المصيب ؟
1 - فمن المفسرين : إمامهم ابن جرير الطبري ( ت 310 ) والبغوي أبو محمد ( 516 ) والزمخشري ( 538 ) وابن العربي ( 553 ) وابن تيمية ( 727 ) وابن حيان الأندلسي ( 754 ) وغيرهم كثير وكثير ممن ذكرنا هناك . ومن المحدثين : ابن حزم ( ت 456 ) والباجي الأندلسي ( 474 ) وزاد هذا بيانا وردا على مثل الشيخ وتهوره فقال :
" ولا يظهر منها غير دور وجهها " .
وابن الأثير ( ت 606 ) والحافظ ابن حجر العسقلاني ( ت 852 ) ونص كلامه :
" و( الخمار ) للمرأة كالعمامة للرجل المحدثين المفسرين للخمار بغطاء الرأس :
بدر الدين العيني ( ت 855 ) في " عمدة القارئ " ( 19 / 92 ) وعلي القاري ( ت 1014 ) والصنعاني ( ت 1182 ) والشوكاني ( ت 1250 ) وأحمد محمد شاكر المصري ( ت 1377 ) وغيرهم .
3 - ومن الفقهاء : أبو حنيفة ( ت 150 ) وتلميذه محمد بن الحسن ( ت 189 ) في " الموطأ " وستأتي عبارته في ( ص 34 ) والشافعي القرشي ( ت 204 ) والعيني ( 855 ) وتقدم قال في " البناية في شرح الهداية " ( 2 / 58 ) :
" هو ما تغطي به المرأة رأسها ومن اللغويين : الراغب الأصبهاني ( ت 502 ) قال في كتابه الفريد " المفردات في غريب القرآن " ( ص 159 ) :
" ( خمر ) أصل الخمر : ستر الشيء ويقال لما يستتر به : ( خمار ) لكن ( الخمار ) صار في التعارف اسما لما تغطي به المرأة رأسها وجمعه ( خمر ) قال تعالى : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) " وابن منظور ( ت 711 ) والفيروزآبادي ( 816 ) وجماعة من العلماء المؤلفين ل " المعجم الوسيط " - كما تقدم - مع نصه قولهم الصريح في أنه غطاء الرأس .
من أجل هذه النقول عن هؤلاء الأئمة الفحول لم يسع الشيخ الفاضل محمد بن صالح بن عثيمين إلا أن يخالف الشيخ في تعصبه لرأيه ويوافق هؤلاء الأئمة فقال في رسالته ( ص 6 ) :
" ( الخمار ) : ما تخمر به المرأة رأسها وتغطيه به ك ( الغدفة ) ( 1
" وجملة القول : إن الخمار والاعتجار عند الإطلاق إنما يعني : تغطية الرأس فمن ضم إلى ذلك تغطية الوجه فهو مكابر معاند لما تقدم من الأدلة وعلى ذلك يسقط استدلال الشيخ - ومن قلده - بالأحاديث التي فيها اختمار النساء أو اعتجارهن على دعواه الباطلة شرعا ولغة ويسلم لنا - في الوقت نفسه - استدلالنا بآية ( الخمار ) وحديث فاطمة الآتي ( ص 66 ) رقم ( 5 ) على أن وجه المرأة ليس بعورة كما سيأتي بيانه هناك . والله المستعان . ( انظر حديث عائشة في اختمار النساء المهاجرات فيما "
" قال ابن حزم في كتابه " مراتب الإجماع " ( ص 29 ) ما نصه :
" واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويديها عورة واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما أعورة هي أم لا ؟ " .
وأقره شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه عليه ولم يتعقبه كما فعل في بعض المواضع الأخرى .
الثاني : قال ابن هبيرة الحنبلي في " الإفصاح " ( 1 / 118 - حلب ) :
" واختلفوا في عورة المرأة الحرة وحدها فقال أبو حنيفة : كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين . وقد روي عنه أن قدميها عورة وقال مالك والشافعي : كلها عورة إلا وجهها وكفيها . وهو قول أحمد في إحدى روايتيه والرواية الأخرى : كلها عورة إلا وجهها خاصة . وهي المشهورة واختارها الخرقي " .
وفاتته رواية ثالثة وهي : أنها كلها عورة حتى ظفرها . كما يأتي مع بيان رد ابن عبد البر لها قريبا .
الثالث : جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة " تأليف لجنة من العلماء منهم الجزيري في بحث حد عورة المرأة ( 1 / 167 - الطبعة الثانية ) :
أما إذا كانت بحضرة رجل أجنبي أو امرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين فإنهما ليسا بعورة ( 1 ) فيحل النظر لهما عند أمن الفتنة " .
ثم استثنى من ذلك مذهب الشافعية وفيه نظر ظاهر لما تقدم في " الإفصاح " وغيره مما تقدم ويأتي .
الرابع : قال ابن عبد البر في " التمهيد " ( 6 / 364 ) - وقد ذكر أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين وأنه قول الأئمة وأصحابهم وقول الأوزاعي وأبي ثور قلت : وقد كنت نقلت فيما يأتي من الكتاب ( ص 89 ) عن ابن رشد : أن مذهب أكثر العلماء على أن وجه المرأة ليس بعورة وعن النووي مثله وأ
3333 نه مذهب الأئمة الثلاثة ورواية عن أحمد فبعض هذه الأقوال من هؤلاء العلماء الكبار كافية لإبطال دعوى الشيخ الإجماع فكيف بها مجتمعة ؟ وإذا كان الإمام أحمد يقول فيما صح عنه : " من ادعى الإجماع فهو كاذب وما يدريه لعل الناس اختلفوا ؟ " . إذا كان هذا قوله فيمن لا يدري الخلاف فماذا كان يقول يا ترى فيمن يدري الخلاف ثم يدعي الإجماع ؟
فإن قيل : فمن أين يكون له أن الشيخ يعلم الخلاف المذكور ومع ذلك فهو يتجاهله ويكابر ؟
فأقول : علمت ذلك من كتابه الذي رد عليه ثانيا .
أما الأول فإنه نقل ( ص 157 ) عن الحافظ ابن كثير : أن الجمهور فسر آية الزينة بالوجه والكفين أعاد ذلك ( ص 234 ) .
وأما الآخر فقد ذكرت في غير موضع من كتابي من قال من العلماء بخلاف إجماعه المزعوم مثل ابن جرير وابن رشد والنووي ومنهم ابن بطال ( 1 ) الذي نقلت عنه فيما يأتي في الكتاب ( ص 63 ) أنه استدل بحديث الخثعمية أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا قال القاضي عياض في حديث جابر رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة ؟ فأمرني أن أصرف بصري . رواه مسلم . قال العلماء رحمهم الله تعالى : وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة ومستحبة لها ( 1 ) ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض شرعي . ذكره الشيخ محي الدين النووي ولم يزد عليه " .
يعني : في " شرح مسلم "
" قد جاءت أحاديث كثيرة في كشف النساء لوجوههن وأيديهن - كما سيأتي في الكتاب - يبلغ مجموعها مبلغ التواتر المعنوي عند أهل العلم فلا جرم عمل بها جمهور العلماء ولكن المقلدين المتعصبين قد سلطوا عليها أيضا معاول التخريب والتهديم بتأويلها وتعطيلها وإبطال معانيها ودلالاتها الظاهرة البينة كما فعلوا بأقوال الأئمة "
تفسير آية الزينة : ( . . . إلا ما ظهر منها ) .
بعد أن أثبتنا صحة هذا الحديث على منهج أهل الحديث وقواعد علمائه أولا وبتصريح بعضهم بقوته ثانيا ودون مخالف لهم يذكر ثالثا أريد أن أبين لقرائنا الكرام أنه يصلح حينئذ أن يكون مبينا لقوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) فقوله صلى الله عليه وسلم فيه : " لم يصلح أن يرى منها " بيان لقوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) أي : مواضع الزينة من أبدانهن وليس ثيابهن كما سبق وقوله صلى الله عليه وسلم فيه : " إلا وجهها وكفيها " بيان لقوله تعالى : ( إلا ما ظهر ) أي : وجهها وكفيها فالمنهي في الآية هو المنهي في الحديث والمستثنى فيها هو المستثنى في الحديث وصدق الله العظيم القائل : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) [ النحل : 44 ] ومن هنا يظهر دقة فهم ترجمان القرآن ومن معه من الصحابة الكرام حين فسروا الاستثناء فيها بالوجه والكفين ولقد كان هذا خافيا علينا حين ألفنا الكتاب ثم تبينا ذلك في الطبعة الجديدة ( ص 51 - 56 ) وههنا . فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
وبهذه المناسبة لا بد لي من سرد أسماء الصحابة المشار إليهم مع ذكر بعض مخرجيها ومن صحح بعضها ليعلم القراء جهل من خالفها أو أنكر شيئا منها أو ضلل من تمسك بها
1 - عائشة رضي الله عنها . عبد الرزاق وابن أبي حاتم " الدر المنثور " وابن أبي شيبة والبيهقي وصححه ابن حزم .
2 - عبد الله بن عباس رضي الله عنه . ابن أبي شيبة والطحاوي والبيهقي وصححه ابن حزم أيضا وله عنه كما سبق ( ص 49 - 51 ) سبعة طرق عبد الله بن عمر رضي الله عنه . ابن أبي شيبة وصححه ابن حزم .
4 - أنس بن مالك رضي الله عنه . وصله ابن المنذر وعلقه البيهقي .
5 - أبو هريرة رضي الله عنه . ابن عبد البر في " التمهيد " .
6 - المسور بن مخرمة رضي الله عنه . ابن جرير الطبري .
" خلاصة البحوث المتقدمة :
وتلخيصا لما تقدم أقول :
لقد تجلى للقراء الكرام من هذه البحوث النيرة الحقائق التالية :
1 - إن القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها وكفيها ليس عندهم نص في ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع بل وليس معهم أثر واحد صحيح صريح عن السلف يجب اتباعه اللهم إلا بعض النصوص العامة أو المطلقة التي تولت السنة بيانها ولم يجر العمل بإطلاقها وعمومها عند الأمة فمنهم من استثنى الوجه والكفين ومنهم من استثنى نصف الوجه ومنهم من استثنى من الوجه العينين ومنهم من استثنى عينا واحدة والأولون هم أسعدهم بالكتاب والسنة .
2 - تفسيرهم ل ( الخمار ) و( الإدناء ) و( الجلباب ) و( الاعتجار ) بخلاف الأحاديث النبوية والآثار السلفية والنصوص اللغوية بل وخلافا لتفسيرهم لآية القواعد من النساء .
3 - استدلالهم على ذلك بالأحاديث الضعيفة والآثار الواهية والموضوعة وهم يعلمون أو لا يعلمون .
4 - ادعاء بعضهم الإجماع على رأيهم وهم يعلمون الخلاف فيه وقد ينقلونه هم أنفسهم ولكنهم يكابرون ومن المخالفين لهم الأئمة الثلاثة ومعهم أحمد في رواية . أنكروا نصوصا صحيحة صريحة على خلاف رأيهم تارة بتأويلها وتعطيل دلالاتها وتارة بتجاهلها أو بتضعيفها وهم جميعا ليسوا من أهل التصحيح والتضعيف وإنما اضطروا أن يدخلوا أنفسهم فيما ليس لهم به علم فصححوا وضعفوا ما شاؤوا دفاعا عن رأيهم .
6 - وربما غير بعضهم في إسناد الرواية راويا بآخر تقوية له وحذف من متن الحديث أوكلام العالم ما هو حجة عليه وساق الأثر محتجا أو مستشهدا به وهو عليه .
7 - تهافتهم على تضعيف قوله صلى الله عليه وسلم : " إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفيها " ومخالفتهم للمحدثين الذين قووه وللقواعد العلمية التي تستوجب صحته بتعليلات وآراء شخصية لا يعرفها أهل العلم .
8 - اتفاقهم على تضعيف الآثار المروية عن الصحابة التي تشهد للحديث مع أن بعضها صحيح السند كابن عباس وابن عمر وله عن ابن عباس وحده سبعة طرق .
9 - كتمان بعضهم بقية طرق الحديث المقوية له وادعاء بعضهم الضعف الشديد في بعض رواته تمهيدا للتخلص من الاستشهاد بها وإيهامهم القراء أنه لا موثق له بالإحالة إلى بعض المصادر والواقع فيها يكذبه . ادعاء بعضهم نسخ الحديث بآية ( الإدناء ) خلافا للقواعد العلمية التي توجب الجمع بحمل العام على الخاص ونحو ذلك .
11 - تعلقهم بما لا يصح رواية ودراية لرد ما صح رواية ودراية . وتمسكهم بمطلق القرآن وقد قيدته السنة .
12 - تعطيل بعض المقلدة لأدلة الكتاب والسنة ولأقوال أئمتهم أيضا القائلة بجواز كشف المرأة لوجهها بتقليدهم بعض المقلدة القائلين بوجوب الستر سدا للذريعة - بزعمهم - خلافا للسرخسي وغيره من العلماء إلى عصرنا هذا .
13 - تعطيل أحد شيوخهم للقاعدة الفقهية : " تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز " ولقاعدة الاحتجاج بإقراره صلى الله عليه وسلم وسكوته عن الشيء للتخلص من دلالة حديث الخثعمية على جواز الكشف .
هذه جملة من الحقائق والأوهام التي وقع المخالفون المتشددون فيها - لتعصبهم لرأيهم وإهمالهم القواعد العلمية الحديثية منها والفقهية وإعراضهم عن الاستفادة من أقوال واجتهادات العلماء الآخرين سلفهم وخلفهم - يتلمسها القراء الكرام من تلك البحوث العشرة أحببت أن أجعلها ماثلة بين أعينهم لتكون عبرة لمن يعتبر .
" الخاتمة
هذا ولا بد لي في هذه الخاتمة من لفت النظر إلى أن التشدد في الدين شر لا خير فيه . وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال : " الخير لا يأتي إلا بالخير " . متفق عليه فكذلك الشدة شر لا تأتي إلا بالشر ولذلك تكاثرت الأحاديث وتنوعت عباراتها في التحذير منها فقال صلى الله عليه وسلم :
( صحيح ) أولا : " إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا . . . " . رواه البخاري ( رقم 39 ) .
( صحيح ) ثانيا : " إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين " . رواه أصحاب الصحاح : ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء وغيرهم وهو مخرج في " الصحيحة " ( 1283 ) .
( صحيح ) ثالثا : " لا تشددوا على أنفسكم فإنما هلك من قبلكم بتشديدهم على أنفسهم وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات " . أخرجه البخاري في " التاريخ " وغيره وفد خرجته في " الصحيحة " ( 3124 ) .
وإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن القراء الكرام قد لاحظوا هذا التشدد مجسما فيما حكينا من أقوالهم وآرائهم التي منها قولهم : " حتى ظفرها " وفي الصلاة أيضا وما تكلفوا به من رد الأدلة القاطعة بجريان العمل بكشف الوجه في القرون المشهود لها بالخيرية وشهادة فضلاء الصحابة " والتابعين والأئمة المجتهدين بجواز ذلك وما قول الإمام مالك إمام دار الهجرة ببعيد عن ذاكرة القارئ وهو أنه يجوز - أو لا بأس - أن تأكل المرأة مع غير ذي محرم ( انظر ص 35 ) وغير ذلك من أقوالهم الصريحة بأن الوجه ليس بعورة .
فأقول : ومع ذلك يضلل الشيخ التويجري من قال بهذا القول - كما تقدم نقله عنه ( ص 8 ) - بل يجعل ذلك من الإلحاد في آيات الله . . . ( ص 49 ) ثم هو لا يخجل أن يدعي الإجماع على أن وجه المرأة عورة وهو نفسه يذكر أن أكثر العلماء على خلاف ذلك - كما تقدم ( ص 32 ) - وأتباعه في هذا التشدد فيهم كثرة مع الأسف .
هذا من الناحية العلمية التي يشاركنا في معرفتنا لها كل من وقف على أقوالهم .
وأما من الناحية العملية فالأمر غريب جدا وقد توفر عندي ثلاثة أمثلة :
الأول : حدثني صهر لي أنه قصد زيارة شيخ فاضل من أولئك المتشددين فلم يحفل به ولا استقبله لأن زوجته كانت سافرة عن وجهها مع أن حجابها شرعي من كل النواحي هذا والشيخ معروف بتواضعه ودماثة خلقه فأين هذا من قول الإمام أحمد المتقدم ( ص 9 ) :
" لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه " ؟ .