كتاب : هذه استراتيجيتهم ، فماذا نحن فاعلون ؟ الناشر دار الإبداع للصحافة والنشر

مقدمة الطبعة الأولى
تحيط بالعالم العربي الأخطار من كل جانب وعلى كل مستوى فعلى المستوى السياسي والعسكري فإن فلسطين والعراق ترزحان تحت نير الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي ، وعلى المستوى السياسي فإن الحكومات العربية ترزح تحت نير التبعية لمستعمريها ، وعلى المستوى الاقتصادي فإن البلاد العربية أصبحت مستعمرة للمحتلين يسخرونها لما فيه مصلحتهم وخرابنا ، وعلى مستوى التعليم أصبحنا نعيش على ما نستورده وما نستعيده من علوم طبيعية و تكنولوجية من الغرب ، ومن علوم دينية ولغوية من الأجداد ، وفي الحالتين نحفظ تلك العلوم والمعارف ونكررها فلا اتبعنا مناهج الغرب التي أنتجتها فنرقى ، ولا فهمنا منهج أسلافنا فنتقدم ، وعلى مستوى الإعلام نعيش في زمن السموات المفتوحة التي تغزونا في عقر دارنا وتقتلعنا من جذورنا ، وعلى مستوى الثقافة لبسنا ثوب الحضارة على أجسام متخلفة فلبسنا ما يلبسون وأكلنا ما يأكلون وطربنا لما يسمعون فأصبحنا كالغراب الذي قلد مشية الطاووس فنسي مشيته .
خلاصة القضية
توجز في عبارة
لقد لبسنا قشرة الحضارة
والروح جاهلية . ( )
نسمع الأصوات تعلو والحناجر تزعق الغرب هو السبب فيما نحن فيه لقد غزو أرضنا وغزو عقولنا وغيروا أخلاقنا ...
لقد صنعنا أعظم حضارة في التاريخ لقد علمنا العالم معنى الحضارة لقد كان أجدادنا كذا وكذا .. وإن الاستعمار الغربي وريبته إسرائيل هما السبب فيما وصلنا إليه ولولاهما لكنا سادة العالم كما كنا سادته .
إن بعض الكتاب مُصِرٌّ على أن الغرب الرجيم والصليبيين : قدماء ومحدثين هم السبب فيما صرنا إليه ، لقد دمروا حضارتنا واغتالوا ثقافتنا ، والحقيقة أن الحضارة لا تقتل بل تنتحر ، والعاجز من لا يأخذ في الأسباب النصر ويُرجِع لعدوِّه أسباب الهزيمة .
ما دخل اليهود من حدودنا
وإنما .. تسربوا كالنمل من عيوبنا ( )
نعم هناك من يتربص بنا الدوائر ولكن ألم يكن لأجدادنا العظماء أعداء ؟
ألم يكن هناك مشركون في مكة ويهود ومنافقون في المدينة ، وفرس وروم خارجها ؟
ألم يكن يكيدون لهم ليل نهار ، فلم تقدموا و تخلف غيرهم ؟
ولم رد الكيد إلى نحر أعدائهم ؟
لأنهم كانوا أقوى وأعلم وأتقى من كل كيد ومكر ، ولما ضعفنا { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }.( مرين : 59 )
يا سادتي كفانا لعناً لأعدائنا ، والتغني بأمجادنا . إن التغني بأمجاد الماضي لن يعيده ، ولعن الأعداء لن يقهرهم إن الذي يعيد مجدنا ويدحر أعداءنا هو أن نتخلص من عيوبنا التي ورثناها من فترات الضعف والتخلف وأن نحيي سمات حضارتنا الإسلامية الزاهرة ، وأن نأخذ في أسباب التقدم والرقي ، والتاريخ يحكم على من اكتفى برواية أمجاد الماضي ، ولم يقم بدوره المنوط به فلم يقدم أفكاراً بنَّاءة ، ولم يبذل الجهد المخلص في تحقيقها - التاريخ يحكم عليه بأن يذل في وطنه ، ويخضع لأعدائه .
لكن ما هي تلك الصفات التي أوردتنا المهالك ؟
وما سمات أجدادنا التي ارتقت بهم وارتقوا بها ؟
ولماذا تقدم الغرب وتخلفنا ؟
وما السبيل للتقدم ودفع الغزو العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي ؟
هذا ما سنحاول أن نجيب عنه في هذا الكتاب .
وستكون خطة الكتاب كالتالي :
الفصل الأول : التعريف الصهيونية العالمية وتفنيد أباطيلها ، وبيان مخطط الصليبيين الجدد ( ) وسَوْق الأدلة من التاريخ والواقع لبيان صحة هذا المخطط .
الفصل الثاني : ذكر موقف العرب والمسلمين من هذا المخطط ، مع بيان الفهم الخاطئ لدى كثير من العرب والمسلمين عن حقيقة الصراع .
الفصل الثالث : التعريف بنظريات المؤرخين المتعلقة بالنظام التاريخي ، وتطوره ،وتفنيد آرائهم واقتراح نظرية جديدة لتفسير نشأة الحضارة وتطورها .
الفصل الرابع : بيان مقوِّمات الحضارة المصرية القديمة ( أُمّ الحضارات ) والرد على الافتراءات التي أُثِيرت حولها .
الفصل الخامس : بيان لمقومات الحضارة اليونانية .
الفصل السادس : بيان مقومات الحضارة الإسلامية في العصور الوسيطة .
الفصل السابع : بيان مقومات النهضة الأوربية في العصور الحديثة . ونقد موضوعي لها .
الفصل الثامن : بيان لموقف العلمانيين ، والسلفيين من النهضة العربية .
والله نسأل أن يهدينا سبل الرشاد وأن يجنبنا الزلل والفساد .
محمد يونس هاشم
12 / 12 / 2005