هل من حق رجل الدين أن ينقد عملا فنيا ؟
وللإجابة عن هذا السؤال نتخيل أن هناك حوارا بين ناقد نفي ورجل من رجال الدين حول إجابة هذا السؤال .
الشيخ : نعم من حقه .
الناقد : كيف وهو غير متخصص في النقد الفني ؟
- إن رجل الدين عندما ينقد فليما مثلا ينقد فكرته أولا ، ثم ينقد ما عساه يكون مخلا بمبادئ الدين وقيمه .
- وما دخل الدين في الفن هذا له مجال مغاير لذاك .
- بالطبع الدين له دخل بكل أفعال الإنسان يقومها ويهذبها ، ويميز الخبيث فيها من الطيب .
- الفنون والآداب تخضع لمقاييس فنية أدرى بها أهلها .
- الدين أنزله الله ليكون منهج حياة للبشر وليس فقط عبادة تؤدى ولا علاقة لها بسائر حركة الإنسان .
- لكن هناك مساحة من الحرية أعطاها الله للإنسان لكي يستمتع بحياته { وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } ( القصص : 77 ) فالحياة ليست كلها عبادة إنما ساعة وساعة .
- لقد شرع الله تعالى الدين لسعادة الإنسان في الدارين ، ولا يتعارض الدين مع كل لهو برئ ، إنما يحرم عليه كل ما هو خبيث { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} ( الأعراف : 157 ) ثم نأتي للآية التي اجتزأتها من سياقها لو ذكرتها كاملة لعرفت المراد بنصيب الإنسان من الدنيا وهو من الطيبات لا الخبائث فإن النبي r كان يحب الحلواء ، ويشرب العسل ، ويستعمل الشواء، ويشرب الماء البارد ، لكنه كان لا يشرب الخمر ولا يشاهد الرقص ، ولا يلعب الميسر وإليك الآية كاملة
- { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }( القصص :66– 77 ) فنصيحة قوم قارون له أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة لا في التجبر والبغي والفساد .
- لكن من يحكم بكون هذا الأمر خبيث أو طيب أن العملية نسبية تختلف من إنسان للآخر حسب تعليمه وثقافته وتربيته .
- لقد فصل الله تعالى المحرمات في كتابه العزيز وفي سنة نبيه الكريم ، و لم يمت النبي إلا وقد اكتمل الدين عقيدة وشريعة وعبادة و معاملات وأخلاق .. (قد تركتكم على البيضاء. ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هلك. مِن يعش منكم فيسرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بما عرفتم مِن سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ. وعليكم بالطاعة." ( رواه أحمد وابن ماجة والحاكم ) .
- لكن معظم الفنون – إن لم يكن كلها من محدثات العصر – ولم يأت بشأنها نصوص تحرم أو تبيح .
- هناك مبادئ عامة يجب أن تخضع لها كل أعمال المؤمن فمثلا : التبرج ، والعرى ، والتكسر في القول والسير ، .. هذه من المحرمات في الإسلام فإذا اشتمل فن من الفنون عليها أو على بعضها يكون هذا الفن محرما .
- لكن أحيانا الضرورة الفنية تقتضي أن تظهر ممثلة تؤدي دور راقصة أو ساقطة متبرجة كاشفة عن مواطن الفتنة فيها حتى يصدق الناس أنها راقصة فليس من المعقول أن نأتي بامرأة منقَّبة لتؤدي دور راقصة مثلا ! إن التبرج والعري والتكسر وما إلى ذلك إنما هي وسائل للتحذير من سلوك هؤلاء .
- في الإسلام الغاية لا تبرر الوسيلة إذ يشترط الإسلام أن تكون الوسيلة مشروعة لغاية مشروعة فلا يصح أن أسرق من الأغنياء لأتصدق على الفقراء أو أتاجر في المخدرات لأبني جامع " إن اللّه طيِّب لا يقبل إلا طيباً، وإن اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ( المؤمنون : 51 ) وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } . ( البقرة : 172 ) .
- معنى ذلك أنك ترفض ظهور المرأة في الأعمال الفنية ، والاكتفاء بدور الرجال فقط !
- لا.. أنا لم أقل هذا إنما قلت وأقول إن ظهور المرأة في الأعمال الفنية يجب أن يكون كإنسانة تؤدي دورا لخدمة المجتمع مكملا لدور الرجل ومتمما له لكن أن تقدم المرأة كأنثى أو كجسد ومهمتها في الفليم تكمن في غواية الرجال ومهمتها في السينما تكمن في غواية المشاهدين فلا و للأسف الشديد لقد أساءت كثير من الأعمال الفنية إلى المرأة بتحويلها إلى جسد فاتن لتروج بها فكر فاسد في صناعة مضلِلَة .
- لكن هناك قواعد تعارف عليها أهل هذه الصناعة يجب أن تراعى ولا دخل للدين بها .
- أولا : الدين ليس ضد كل فن جميل هادف يرقى بالذوق ويدعو للفضيلة إنما الدين ضد كل انحراف وفساد ورذيلة ، ثانيا : نحن مأمورون باتباع الله وليس اتباع أحدا سواه ، وهذه القواعد إنما وضعها من يختلف عنا في الدين و اللغة والعادات والتقاليد .. فلما يجب علينا تقليدهم ؟ ولم نستورد من الغرب أفلامهم وأزياءهم ، وانحرافهم ، وعاداتهم ؟ إن أغلب موضوعات السينما المصرية إنما هي أخوذة من أفلام أجنبية تعالج مشاكلهم بما يتناسب مع قيمهم فلم هذا الإصرار على التقليد الأعمى ؟ لماذا لا نستقي موضوعات الأفلام من واقع بيئتنا المحلية ؟ لماذا لا نعالج مشاكلنا نحن بدلا من استيراد معالجات لمشاكل غيرنا تجلب لنا المشاكل ، إن المُشاهد لأفلامنا يجد أنها – غالبا – مبتوتة الصلة بينها وبين مجتمعنا ، لقد استسهل المؤلفون فاقتبسوا أو سطوا على أفكار الأفلام الأجنبية الغربية ولم يفكروا في تأليف جاد يعبر عنا ، واختار المخرجون نفس الطريق فأخرجوا بنفس فكر أساتذتهم الغربيين ، وكذلك فعل الممثلون ، والنتيجة أن أصبحت أفلامنا مسخا مشوها كمن أقام بَغِيَّا واعظة للمؤمنين !! .
لماذا لا تكون لنا شخصيتنا المستقلة النابعة من ديننا وأخلاقنا وبيئتنا ، إن الغرب تقدمت علومهم ، وانتكست أخلاقهم وفنونهم فلماذا نصر على تقليدهم فيما انتكسوا فيه ؟! لماذا لا نتقلدهم فيما برعوا فيه من العلوم والمعارف ؟! إن الفنون والآداب وليدة بيئاتها ولا توصف بالتقدم والتخلف بعكس العلوم الطبيعية والرياضية والتكنولوجية .... فلا وطن لها ولا جنس فإذا كان أحمد زويل يطرب لأم كلثوم فلا ضير عليه إنما يضير الإنسان أن يجهل بالكمبيوتر ويطرب لمايكل جاكسون !
- معنى هذا أنك تدين كل الفنون والآداب فكلها مبينة على أفكار ومذاهب فنية غربية .
- الدين لا يبح المنكر ولا القبيح ولا الفساد شرقيا كان أو غربيا ، فأهلا بكل جديد في تطور تكنولوجي مثلا لكن لا لكل فكر منحل ، وإباحي .
- إن المتصدي لنقد فن التمثيل مثلا لابد أن يكون دارسا لفن الإخراج والإضاءة والديكور والتمثيل , .. . حتى يتسنى له الدراسة الفنية لعمل فني فكيف نأخذ برأي رجل دين يجهل كل هذه الأمور بالكلية .
- إن رجل الدين الواعي عندما يتصدى لنقد فليم ينظر أولا إلى مضمون الفليم فإن كان الفليم يدعم قيم هدامة كأن يجعل الراقصة البغي مواطنة الصالحة ، أو أن يجعل انحراف الفتاة وهتك عرضها وسيلة للزواج بوجهاء المجتمع ، أو أن يجعل القوة الفردية وسيلة للإنسان لاسترداد حقه المغتصب وليس أولي الأمر ، أو أن يجعل المحلِّل وسيلة مشروعة لعودة المطلقة ثلاثا لعصمة زوجها ، .. فهنا الدين يتدخل ويقول إن هذه الأفكار فاسدة مفسدة فهي لا تناقض الدين فحسب بل تناقض كل خلق قويم ، وإذا ظهرت الفنانات كاسيات عاريات أو عاريات عاريات ، وإذا كانت هناك مشاهد رقص ماجن أو أحضان وقبلات و ممارسة للرذيلة فإن رجل الدين يتدخل و يقول هذا حرام ومخالف للدين ولا يقبل باسم الفن أو غيره فالفن جمال و رقي وهذا قبح وتخلف ، أما حركة الممثلين أمام الكاميرا ، والإضاءة ، والديكور .. فهذا عمل نقاد الفن .
- معنى هذا أنه ليس هناك فليما يعجبك ، ولا عملا فنيا أنت راض عنه .
- الحقيقة أن هناك مسلسلات كثيرة ذات مضمون هادف كما أنها في الوقت نفسه ذات قيمة فنية عالية جدا مثل : مسلسل عمر بن عبد العزيز ، عصر الأئمة ، وابن حزم ، عائلة و نيس ،.. وكثير من المسلسلات الدينية .
- وماذا عن الأفلام ؟
- للأسف إن السينما تداعب منذ نشأتها الشباك كما أنها تستقي موضوعاتها من أفلام غربية لذا فهي - غالبا – ما تضحي بالفضيلة في سبيل اجتذاب الجمهور وخاصة من المراهقين والمنحلين أخلاقيا وهذه هي الفئات التي تذهب إلى السينما خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة ومع ذلك فإن هناك أفلاما ذات قيمة فنية عالية و هي مقبولة أخلاقيا مثل : الناصر صلاح الدين ، في بيتنا رجل ، آخر الرجال المحترمين ، خرج ولم يعد ...