الحب بين الرجل والمرأة
لقد أكثر الناس الحديث عن هذا النوع من الحب حتى أصبح إذا ذكر لفظ الحب انصرف إلى هذا النوع دون سواه وليس هذا الأمر بالجديد المستحدث إنما هو قديم قدم البشرية ، وإن كان يكثر الحديث عنه عندما يكثر الاختلاط بين الجنسين ، وعند فراغ القلب مما يشغله من عظيم الأمور ، وعند فراغ الإنسان من تحصيل حاجاته الإنسانية : من طعام ، وشراب ، وأمان ، وراحة ، وصحة .. ألا ترى أن العاشق – عادة – إذا كان جائعا ، أو ظمآن ، أو خائفا ، أو مريضا، أو مهموما ، أو مشغولا بعمل مهم : جهاد ، أو سعي ، أو علم ، .. فإنه لا يفكر إلا في طعامه وشرابه وراحته ، وصحته ، وعمله . فإن طَعِم ، وشرب ، وبرئ ، واستراح ، وأنهى عمله فكر في محبوبه .
وإن كان هناك من ابتلاه الله تعالى بحب ملك عليه نفسه وشغله عما سواه .
فعن ابن عباس قال: قال رسول الله : خيار أمتي الذين يعفون إذا أتاهم الله من البلاء شيئا، قالوا: يا رسول الله وأي بلاء هو؟ قال: العشق " .
وعن ابن عباس أن النبي بعث سرية فغنموا وفيهم رجل فقال: اللهم إني لست منهم، عشقت امرأة فلحقتها، فدعوني أنظر إليها نظرة ثم اصنعوا بي ما بدا لكم. فنظروا فإذا امرأة طويلة أدماء .قالت نعم فديتك. فقدموه فضربوا عنقه، فجاءت المرأة فوقفت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت. فلما قدموا على رسول الله أخبروه بذلك فقال رسول الله : أما كان فيكم رجل رحيم؟ " ( رواه النسائي والبيهقي والطبراني في الأوسط )
لكن أمثال هذين قليلون لا يقاس عليهم فالحياة ليست كلها حب كما صور لنا الشعراء وصدقهم المراهقون ، والفارغون ، والغاوون فكثير من قول الشعراء مبالغ فيه وليس حقيقيا كما قيل ( إن أعذب الشعر أكذبه) وفي ذلك يقول الله تعالى :
{ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } ( الشعراء : 224- 227 )
وشواهد المبالغات والشطحات الشعرية كثيرة .
كقول عنترة في الغزل :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسـم
وكقول جميل ابن معمر :
أصلي فأبكي في الصلاة لذكرها لي الويل مما يكتب الملكان
وكقول مجنون ليلى :
أراني إذا صليت يممت نحوها بوجهي وإن كان المصلى ورائي
ويقول شوقي في مسرحية مجنون ليلى أن النار أحرقت يدي قيس وما شعر بها حتى أغشي عليه لأن نار حبه لليلى أقوى وأشد !! :
ليلى : ويح قيــس تحرقت راحتاه و ما شعر
قيس : أنت أججت في الحشى لاعج الشوق فاستعر
ثم تخشــين جمرة تأكل الجلد والشعر