توصية خاصة بأهل الكتاب :
وهناك توصية خاصة بأهل الكتاب – اليهود والنصارى – بالإحسان إليهم .
فقد أمر الله في كتابه العزيز بالإحسان إلى أهل الكتاب حتى بعد إصرارهم على عدم الدخول في الإسلام والتمسك بدينهم ، وأحل للمسلمين مآكلتهم وتبادل الإهداء بالأطعمة .
بل يذهب الإسلام إلى ما هو أكثر من هذا حيث أحل الله تعالى زواج المسلم من كتابية على ما للزواج من مودة ورحمة ، وحسن المعاشرة ، و ائتمان على العرض ، والأولاد ...
{ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ( المائدة : 5 ) .
وشدد النبي r في تحذيره من إيذاء أهل الكتاب بظلم أو بنقص حق أو بتكليفه ملا يطيق ، أو بالأخذ منه شيئا بغير طيب نفس فقال "من ظلم معاهداً أو انتقصه حقاً، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه [أي خصيمه] يوم القيامة".حديث صحيح (رواه أبو داود ) .
والمدهش أن النبي لا يكتفي بحسن معاملة أهل الكتاب وهم أحياء فقط بل يراعي إنسانيتهم بعد الموت حتى لا يظن ظان أن الإسلام إنما كان يرمي من حسن معاملتهم وهم أحياء ترغيبهم في الدخول في الإسلام فقط فها هو النبي يقوم لجنازة يهودي عندما مرت به وينهر من يطالبه بعدم القيام .
وهذا في الصحيحين من حديث قيس بن سعد وسهل بن حنيف قالا " إن رسول الله مرت به جنازة، فقام، فقيل: إنه يهودي، فقال أليست نفساً ؟ " .
ولم يشرع الإسلام القتال إلا ردا للعدوان على الدين أو النفس أو الوطن فيقول تعالى :
{ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ } ( البقرة : 191)
ويجعل الله تعالى العدوان فقط على الظالمين أما المسالمون فلا عدوان عليهم مهما كانت عقائدهم .
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} ( البقرة : 193 ) .
وجعل الله تعالى تقوى الله هي مقياس التفاضل بين الناس وليس أحسابهم وأنسابهم وأموالهم ..
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ( الحجرات : 13 ) .
وعن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله في وسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فليبلغ الشاهد الغائب " حديث صحيح ( رواه أحمد )
فلا تفاضل في الإسلام إذن بين نفس ونفس إلا بالتقوى وليس بالجنس والمال والسلطان والجاه .
إن الإسلام لا ينتصر بعدد ولا بعدة – والمسلمون مأمورون بأن يعدوا ما استطاعوا من قوة – إنما يتنصر بقوة الإيمان وتمسك المؤمنين به بتعاليمه ومبادئه وها نحن هؤلاء كثيرون " إننا أمة مسلمة تجاوز تعدادها المليار والربع؛ أي ما نسبته 23% من سكان العالم، تحتل مساحة 19% من مساحة العالم تقريباً، ونعيش في 54 دولة إسلامية، ونقيم في 120 مجتمعاً في العالم " ومع أننا كثير لكن " كثاء السيل " لأنه دب فينا الوهن " حب الدنيا وكراهية الموت " كما أخبر سيد المرسلين .
والحربي هو الوحيد الذي يجوز قتله لأنه جاء بجيوشه وعدته وعتاده معتديا على دماء المسلمين و مغتصبا لأرضهم و منتهكا حرماتهم بالقوة .
{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ } ( البقرة : 190 )
جاء في تفسير القرطبي هذه الآية " وقال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد: هي محكمة أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم" ابن كثير {ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين} أي قاتلوا في سبيل اللّه ولا تعتدوا في ذلك، ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ وأصحاب الصوامع وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة ولهذا جاء في صحيح مسلم عن بريدة أن رسول اللّه كان يقول: "اغزوا في سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الوليد، ولا أصحاب الصوامع". وعن ابن عباس قال: كان رسول اللّه إذا بعث جيوشه قال: "اخرجوا باسم اللّه قاتلوا في سبيل اللّه من كفر باللّه، لا تعتدوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع" (رواه أحمد وأبو داود) وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: وجدت امرأة في بعض مغازي النبي r مقتولة فأنكر رسول اللّه قتل النساء والصبيان "
ويقول ابن كثير في تفسير الآية " هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة ، فلما نزلت كان رسول اللّه يقاتل من قاتله وكف عمن كف عنه " .
وهنا يجب على ولي الأمر أن يعد الجيوش للدفاع ضد المعتدين وأن على كل مسلم المساهمة بقدر ما يستطيع في صد المعتدين تحت إشراف أولياء الأمور وألا يتصرف منفردا حتى لا يفسد خطط وتدابير أولياء الأمور فيجب على كل مسلم راغب في مقاومة أعداء الله ألا يخالف أولياء الأمر المختصين بذلك وأن يلتزم بما يأمرونه به ولا يُتْرَك الأمر فوضى يفعل كل إنسان ما يراه صحيحا فإن مثل هذا يشتت القوى وتكون عواقبه وخيمة كما يحدث الآن من بعض الأفراد والجماعات الذين يقتلون ويخربون ويدمرون دون علم أولي الأمر مما أساء للإسلام وللمسلمين جميعا .
فإن طلب الأعداء الصلح فيجب إجابتهم إليه حقنا للدماء بشرط أن يكون السلام شاملا وعادلا .
{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }( الأنفال : 60 ، 61 )
وجاء في تفسير ابن كثير لهاتين الآيتين " يقول تعالى: إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء ، فإن استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم {وإن جنحوا} أي مالوا {للسلم} أي المسالمة والمصالحة والمهادنة {فاجنح لها} أي فمل إليها، واقبل منهم ذلك، ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول اللّه تسع سنين، أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر. قال ابن عباس ومجاهد: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة {قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} الآية وفيه نظر، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إن كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم، كما دلت هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي r يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص واللّه أعلم. وقوله: {وتوكل على اللّه} أي صالحهم وتوكل على اللّه، فإن اللّه كافيك وناصرك ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا {فإن حسبك اللّه} أي كافيك وحده " .
وبعد الناس يريد أن يحاسب غير المسلمين على نواياهم فيقول لك إنهم يضمرون لنا الشر ويتربصون بنا الدوائر والله تعالى يعلمنا أن نعامل الناس بالظاهر وألا نتهم الضمائر فإن أراد أعداء المسلمين السلم سالمناهم وإن كان ينون خداعنا بهذا السلم فإن الله تعالى تكفل لنا بالنصر .
{ وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } ( الأنفال : 62 ) .
وروى البخاري عن عمر بن الخطاب قوله " إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رَسُول اللَّهِ وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، اللَّه يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة. ( رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ) .