أولى الألباب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أولى الألباب
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 " فهم السنة في ضوء القرآن الكريم " الشيخ محمد العزالي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
admin1

admin1


المساهمات : 88
تاريخ التسجيل : 12/12/2009

" فهم السنة في ضوء القرآن الكريم " الشيخ محمد العزالي Empty
مُساهمةموضوع: " فهم السنة في ضوء القرآن الكريم " الشيخ محمد العزالي   " فهم السنة في ضوء القرآن الكريم " الشيخ محمد العزالي I_icon_minitimeالأربعاء يناير 27, 2010 2:50 pm

فهم السنة في ضوء القرآن الكريم
من الواجب، لكي تفهم السنة فهمًا صحيحًا، بعيدًا عن التحريف والانتحال وسوء التأويل- أن تُفهم في ضوء القرآن، وفى دائرة توجيهاته الربانية، المقطوع بصدقها إذا أخبرت، وعدلها إذا حكمت، (وتمت كلمت ربك صدقًا وعدلاً، لا مبدل لكلماته، وهو السميع العليم) (الأنعام: 115). فالقرآن هو روح الوجود الإسلامي، وأساس بنيانه، وهو بمثابة الدستور الأصلي، الذي ترجع إليه كل القوانين في الإسلام فهو أبوها وموئلها.
والسنة النبوية هي شارحة هذا الدستور ومفصلته، فهي البيان النظري والتطبيق العملي للقرآن، ومهمة الرسول أن يبين للناس ما نُزِّل إليهم.
وما كان للبيان أن يناقض المُبيَّن، ولا للفرع أن يعارض الأصل، فالبيان النبوي يدور أبدًا في فلك الكتاب العزيز لا يتخطاه.
ولهذا لا توجد سنة صحيحة ثابتة تعارض محكمات القرآن وبيناته الواضحة.
وإذا ظن بعض الناس وجود ذلك، فلا بد أن تكون السنة غير صحيحة أو يكون فهمنا لها غير صحيح، أو يكون التعارض وهميًّا لا حقيقيًا.
ومعنى هذا أن تفهم السنة في ضوء القرآن.
ولهذا كان حديث "الغرانيق" المزعوم مردودًا بلا ريب، لأنه مناف للقرآن، ولا يتصور أن يجيء في سياق يندد فيه القرآن بالآلهة المزيفة حيث يقول: (أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذًا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى). (النجم: 19 - 23).
فكيف يعقل أن يدخل في سياق هذا الإنكار والتنديد بالأصنام كلمات تمتدحهن، وتقول: "تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى" ؟! (انظر في إبطال أسطورة الغرانيق: البحث العميق الذي كتبه العلامة محمد الصادق عرجون رحمه الله في كتابه "محمد رسول الله" تحت عنوان "قصة الغرانيق أكذوبة بلهاء متزندقة" -30/2 - 155).
وكان حديث: "شاوروهن وخالفوهن" في شأن النساء باطلاً مكذوبًا لأنه مناف لقوله تعالى في شأن الوالدين مع رضيعيهما: (فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما). (لبقرة: 233).
وإذا اختلفت أفهام الفقهاء أو الشراح في الاستنباط من السنن فأولاها وأسعدها بالصواب ما أيده القرآن.
انظر إلى قوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفًا أكله والزيتون والرمان متشابهًا وغير متشابه، كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده). (الأنعام: 141).
إن هذه الآية المكية الكريمة بما أجملته وما فصلته، لم تدع شيئًا تنبته الأرض إلا جعلت فيه حقًا، وأمرت بإيتائه، وهذا الحق المأمور به المجمل في هذه الآية هو الذي فصله القرآن والسنة بعد ذلك تحت عنوان "الزكاة".
ومع هذا رأينا من الفقهاء من قصر زكاة ما أخرجه الله من الأرض على أربعة أصناف فقط من الحبوب والثمار، أو على ما يقتات في حال الاختيار لا غير، أو على ما يَبُسَ ويُكال ويُدخر.. وأخرجوا من دائرة الحق الواجب سائر الفواكه والخضروات، ومزارع البن والشاي، وحدائق التفاح والمانجو، والقطن، وقصب السكر، وغيرها، مما يدر على أصحابه الألوف بل الملايين، حتى سمعت في إحدى زياراتي لبعض الأقطار الآسيوية أن الشيوعيين يتهمون الفقه الإسلامي - أو الشرع الإسلامي - بأنه يجعل عبء الزكاة على صغار الزراع- وربما كانوا مستأجرين للأرض، لا ملاكًا - الذين يزرعون الذرة والقمح والشعير، ويعفى من ذلك مالكي مزارع جوز الهند والشاي والمطاط ونحوها !
ومن هنا نقف وقفة الإعجاب للإمام أبى بكر بن العربي رأس المالكية في عصره، فقد شرح هذه الآية في كتابه "أحكام القرآن" وبين مذاهب الفقهاء الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، فيما يجب إخراجه من نبات الأرض وما لا يجب، ومنها مذهبه - آي مذهب إمامه مالك، ولكنه - لإنصافه ورسوخه - ضعفها جميعًا، ثم قال: أما أبو حنيفة، فجعل الآية مرآته فأبصر الحق، فأوجبها في المأكول قوتًا كان أو غيره، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في عموم قوله: "وفيما سقت السماء العُشر".
فأما قول أحمد: إنه فيما يوسق، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمسة أوسق"... الحديث، فضعيف، لأن الذي يقتضيه ظاهر الحديث أن يكون النصاب معتبرًا في الثمر والحب. فأما سقوط الحق عما عداها فليس في قوة الكلام، وأما المتعلق بالقوت (يعنى الشافعية) فدعوى ومعنى ليس له أصل يرجع إليه، وإنما تكون المعاني موجهة لأحكامها بأصولها على ما بيناه في كتاب "القياس".
فكيف يذكر الله النعمة في القوت والفاكهة، وأوجب الحق فيها كلها، فيما تنوع حاله كالكرم والنخيل، وفيما تنوع جنسه كالزرع، وفيما ينضاف إلى القوت من الاستسراج الذي به تمام النعمة في المتاع بلذة البصر، إلى استيفاء النعم في الظلم" ؟.
ثم قال ابن العربي:
"فإن قيل: فلم لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه أخذ الزكاة من خضر المدينة ولا خيبر؟
قلنا: كذلك عول علماؤنا، وتحقيقه: أنه عدم دليل لا وجود دليل.
فإن قيل: لو أخذها لنقل.
قلنا: "وآي حاجة إلى نقله والقرآن يكفى عنه" ؟! ا.هـ (انظر: أحكام القرآن لابن العربي، ط. عيسى الحلبي، القسم الثاني ص 749 - 752).
وأما الحديث الذي يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس في الخضروات صدقة" فضعيف الإسناد لا يحتج بمثله، فضلاً عن أن يخصص به عموم القرآن والأحاديث المشهورة.
وقد رواه الترمذي ثم قال: "إسناد هذا الحديث ليس بصحيح، فلا يصح في هذا الباب شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". (انظر: الترمذي، كتاب الزكاة - باب ما جاء في زكاة الخضروات، وصحيح الترمذي بشرح ابن العربي -132/3، 133)
ومن حق المسلم أن يتوقف في أي حديث يرى معارضته لمحكم القرآن إذا لم يجد له تأويلاً مستساغًا.
وقد توقفت في حديث رواه أبو داود وغيره: "الوائدة والموءودة في النار". (أبو داود برقم (4717) عن ابن مسعود - وابن حبان والطبراني عن الهيثم بن كليب. وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح "الفيض" -371/6).
حين قرأت الحديث انقبض صدري وقلت: لعل الحديث ضعيف، فليس كل ما رواه أبو داود في سننه صحيحًا، كما يعلم أهل هذا الشأن، ولكن وجدت مَن نصَّ على صحته.
ومثله: "الوائدة والموءودة في النار، إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم" (رواه أحمد والنسائي عن سلمة بن يزيد الجافي- كما في صحيح الجامع الصغير). أي أن للوائدة فرصة للنجاة من النار، والموءودة لا فرصة لها !.
وهنا تساءلت كما تساءل الصحابة من قبل حين سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار" قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول ؟ قال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" ففسر لهم وجه استحقاقه للنار، بنيته خروجه لمقاتلة صاحبه.
وهنا أقول: هذه الوائدة في النار، فما بال الموءودة ؟؟ والحكم عليها بالنار يعارض قوله تعالى: (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت). (التكوير: 8 - 9)
وقد رجعت إلى الشراح لأرى ماذا قالوا في توجيه الحديث، فلم أجد شيئًا ينقع الغلة.
ومثل ذلك الحديث الذي رواه مسلم عن أنس: "إن أبى وأباك في النار" (رواه في كتاب "الإيمان" برقم -347). قاله جوابًا لمن سأله عن أبيه أين هو ؟
وقلت: ما ذنب عبد الله بن عبد المطلب حتى يكون في النار، وهو من أهل الفترة، والصحيح أنهم ناجون ؟
وكان قد خطر لي احتمال أن يكون المراد بقوله "إن أبى" هو عمه أبا طالب الذي كفله ورعاه، وحدب عليه بعد موت جده عبد المطلب، واعتبار العم أبا أمر وارد في اللغة وفى القرآن، كقوله على لسان أبناء يعقوب: (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون) (البقرة: 133). وإسماعيل كان عمًا ليعقوب، واعتبره القرآن أبًا.
ولا غرو أن يكون أبو طالب من أهل النار، بعد رفضه أن ينطق بكلمة التوحيد إلى آخر لحظة في حياته، وقد صحت جملة من الأحاديث تنبئ بأنه أهون أهل النار عذابًا.
ولكن أضعف هذا الاحتمال عندي أنه خلاف المتبادر من ناحية، ومن ناحية أخرى: ما ذنب أبى الرجل السائل ؟ والظاهر أن أباه مات قبل الإسلام.
لهذا توقفت في الحديث حتى يظهر لي شيء يشفى الصدر.
أما شيخنا الشيخ محمد الغزالي: فقد رفض الحديث صراحة، لأنه ينافى قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (الإسراء: 15). وقوله: (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) (طه: 134). (... أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، فقد جاءكم بشير ونذير). (المائدة: 19).
والعرب لم يبعث إليهم رسول، ولم يأتهم نذير قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -، كما صرحت بذلك جملة آيات في كتاب الله: (... لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) (يس: 6). (... لتنذر قومًا ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون) (السجدة: 3). (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير). (سبأ: 44).
لكنى أوثر في الأحاديث الصحاح التوقف فيها، دون ردها بإطلاق، خشية أن يكون لها معنى لم يفتح علىّ به بعد.
ومن حسن الحظ أنى رجعت إلى ما قاله شراح "مسلم" غير النووي- أعنى العلامتين: الأبي والسنوي، فوجدتهما يتحفظان على ظاهر هذا الحديث، أما الإمام النووي، فقد علق على الحديث بقوله: قاله لحسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - تسلية للرجال، للاشتراك في المصيبة، وفيه: أن من مات كافرًا في النار ولا تنفعه قرابة المقربين.
قال الأبي: انظر هذا الإطلاق ! وقد قال السهلي: ليس لنا أن نقول ذلك، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات"، وقال تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا) (الأحزاب: 57). والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قاله تسلية للرجل، رجاء أن الرجل قال: وأنت، أين أبوك ؟ فقال له ذلك حينئذ.
قال النووي: وفيه أن من مات في الفترة على ما كان عليه العرب من عبادة الأوثان في النار، وليس هذا من التعذيب قبل بلوغ الدعوة، لأنه بلغتهم دعوة إبراهيم عليه السلام وغيره من الرسل.
قال الأبي: تأمل ما في كلامه من التنافي، فإن من بلغتهم الدعوة ليسوا بأهل فترة، وتعرف ذلك بما تستمع، فأهل الفترة هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني، كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى عليه السلام ولا لحقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - والفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين.
ولكن الفقهاء إذا تكلموا في الفترة فإنما يعنون التي بين عيسى عليه السلام والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر البخاري عن سلمان أنها كانت ستمائة سنة.
ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة، علمنا أنهم غير معذبين.
فإن قلت: صحت أحاديث بتعذيب بعض أهل الفترة كهذا الحديث، وحديث: "رأيت عمرو بن لحى يجر قصبه (قصبه: أي أمعاءه). في النار" (متفق عليه عن أبى هريرة كما في اللؤلؤ والمرجان، حديث -1816. وتتمته: "فإنه أول من سيب السوائب").
قلت أجاب عن ذلك عقيل بن أبى طالب بثلاثة أجوبة:
الأول: أنها أخبار آحاد فلا تعارض القطع.
الثاني: قصر التعذيب على هؤلاء، والله أعلم بالسبب.
الثالث: قصر التعذيب المذكور في هذه الأحاديث على من بدل وغير من أهل الفترة بما لا يعذر به من الضلال. ا.هـ. (كأن يكون قد وأد ابنة له أو نحو ذلك مما هو معلوم القبح لدى كل العقلاء، وجميع أصحاب الأديان. انظر: شرح الأبي والسنوي على مسلم -363/1 - 373).

ثانيًا
جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد
ومن اللازم لفهم السنة فهمًا صحيحًا: أن تجمع الأحاديث الصحيحة في الموضوع الواحد، بحيث يرد متشابهها إلى محكمها، ويحمل مطلقها على مقيدها، ويفسر عامها بخاصها، وبذلك يتضح المعنى المراد منها، ولا يضرب بعضها ببعض.
وإذا كان من المقرر أن السنة تفسر القرآن الكريم، وتبينه، بمعنى أنها تفصل مجمله، وتفسر مبهمه، وتخصص عمومه، وتقيد إطلاقه، فأولى ثم أولى أن يراعى ذلك في السنة بعضها مع بعض.
خذ مثلاً الأحاديث التي وردت في إسبال الإزار، وتشديد الوعيد عليه. وهو ما استند إليه كثير من الشباب المتحمس في شدة الإنكار على من لم يقصر ثوبه إلى ما فوق الكعبين. وبالغوا في ذلك حتى أوشكوا أن يجعلوا تقصير الثوب من شعائر الإسلام، أو فرائضه العظام. وإذا نظروا إلى عالم أو داعية مسلم لا يقصر ثوبه كما يفعلون، رموه في أنفسهم -وربما علانية- بقلة الدين !
ولو رجعوا إلى مجموع الأحاديث المتصلة بهذه القضية، وردوا بعضها إلى بعض في ضوء نظرة شاملة لمقاصد الإسلام من المكلفين في شئون الحياة العادية، لعرفوا المقصود من الأحاديث في هذا المقام، ولخففوا من غلوائهم، ولم يركبوا متن الشطط، ولم يضيقوا على الناس في أمر وسع الله عليهم فيه.
انظر ما رواه مسلم عن أبى ذر رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان -الذي لا يعطى شيئًا إلا منة- والمنفِّق (المنفق -بتشديد الفاء المكسورة-: المروِّج، أي الذي يسعى إلى نفاقها ورواجها). سلعته بالحلف الكاذب، والمسبل إزاره". (رواه مسلم في كتاب "الإيمان" من صحيحه).
وفى رواية أخرى عن أبى ذر أيضًا: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات. قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: "المسبل، والمنان، والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب". (رواه مسلم في كتاب "الإيمان" من صحيحه).
فما المراد بالمسبل هنا ؟
هل هو كل من أطال إزاره، ولو كان ذلك على سبيل العادة التي عليها قومه، دون أن يكون من قصده كبر أو خيلاء ؟
ربما شهد لذلك الحديث الذي ورد في صحيح البخاري من حديث أبى هريرة: "ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار". (رواه البخاري في كتاب "اللباس" باب "ما أسفل من الكعبين فهو في النار": الحديث (5787).
وورد في النسائي بلفظ: "ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار". (رواه النسائي في كتاب "الزينة" (207/Cool، باب "ما تحت الكعبين من الإزار").
والمعنى: ما كان دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل، فهو في النار، عقوبة له على فعله، فكنى بالثوب عن بدن لابسه. (فتح الباري (257/10)- ط. دار الفكر، مصورة عن السلفية).
ولكن الذي يقرأ جملة الأحاديث الواردة في هذا الموضوع يتبين له ما رجحه النووي وابن حجر وغيرهما: أن هذا الإطلاق محمول على ما ورد من قيد "الخيلاء" فهو الذي ورد فيه الوعيد بالاتفاق. (المصدر السابق).
لنقرأ هنا ما ورد في الصحيح من هذه الأحاديث.
روى البخاري في باب "من جر إزاره من غير خيلاء" من حديث عبد الله بن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" قال أبو بكر: يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لست ممن يصنعه خيلاء". (فتح الباري -254/10 حديث 5784).
وروى في الباب نفسه من حديث أبى بكرة قال: "خُسِفت الشمس، ونحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام يجر ثوبه مستعجلاً، حتى أتى المسجد ...". (المصدر السابق - الحديث 5785).
وروى في باب "من جر ثوبه من الخيلاء" عن أبى هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرًا". (الحديث 5788 والبطر: التكبر والطغيان.)
وعن أبى هريرة أيضًا قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: "بينما رجل يمشى في حلة، تعجبه نفسه، مرجل جمته، إذ خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة". (الحديث 5789، ومعنى يتجلجل:يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد، ويندفع من شق إلى شق.)
وعن ابن عمر- ونحوه عن أبى هريرة أيضًا: "بينما رجل يجر إزاره، إذ خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة". (الحديث 5790).
وقد روى مسلم حديث أبى هريرة هذا والذي قبله، وروى حديث ابن عمر من جملة طرق. منها: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذنيَّ هاتين يقول: "من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة، فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة" (صحيح مسلم بشرح النووي، ط. الشعب -795/4 باب "تحريم جر الثوب خيلاء"). ففي هذه الرواية ذكر قيد "الخيلاء" بطريق الحصر الصريح: "لا يريد بذلك إلا المخيلة" فلم يدع مجالاً لمتأول.
والإمام النووي، في شرح حديث: "المسبل إزاره"- وهو رجل لا يُتهم بالتساهل، بل هو أميل إلى الأخذ بالعزائم والأحوط كما يعرف الدارسون يقول. (صحيح مسلم -305/1).
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المسبل إزاره" فمعناه المرخى له الجارّ طرفه خيلاء، كما جاء مفسرًا في الحديث الآخر: "لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه خيلاء" والخيلاء: الكبر- وهذا التقييد بالجر خيلاء يخصص عموم المسبل إزاره ويدل على أن المراد بالوعيد من جرَّه خيلاء، وقد رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لأبى بكر الصديق رضى الله عنه وقال: لست منهم- إذ كان جرَّه لغير الخيلاء.
وقال الحافظ ابن حجر في شرحه للأحاديث التي رواها البخاري في الوعيد على إسبال الإزار وجر الثوب:
في هذه الأحاديث: أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير الخيلاء، فظاهر الأحاديث تحريمه أيضًا، لكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء.
قال الحافظ الفقيه ابن عبد البر: مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد، إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال. (فتح الباري -263/10).
يؤكد هذا الاتجاه في تقييد الإسبال المتوعد عليه بقصد الخيلاء: أن الوعيد المذكور في الأحاديث وعيد شديد، حتى جعل "المسبل" أحد ثلاثة: "لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"، وحتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليكرر ذلك الوعيد ثلاثًا، مما جعل أبا ذر من هول الوعيد المتكرر يقول: خابوا وخسروا ! من هم يا رسول الله ؟! وهذا كله يدل على أن عملهم من موبقات الذنوب، وكبائر المحرمات. وهذا لا يكون إلا في الأشياء التي تمس "المصالح الضرورية" التي جاءت الشريعة لإقامتها والحفاظ عليها: في الدين والنفس والعقل والعرض والنسب والمال. وهى المقاصد الأساسية لشريعة الإسلام.
ومجرد تقصير إزار أو ثوب هو داخل في باب "التحسينات" التي تتعلق بالآداب والمكملات، التي بها تجمل الحياة، وترقى الأذواق، وتتعمق مكارم الأخلاق، أما إسباله وتطويله -مجردًا من أي قصد سيئ - فهو أليق بوادي المكروهات التنزيهية.
إنما الذي يهم الدين هنا، ويوجه إليه أكبر العناية هو النيات والمعاني القلبية وراء السلوك الظاهري. الذي يهتم الدين بمقاومته هنا هو: الخيلاء والعجب والكبر والفخر والبطر، ونحوها من أمراض القلوب وآفات الأنفس، والتي لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة منها.
فهذا مما يؤيد كل التأييد تقييد الوعيد الشديد الوارد في الإسبال بمن قصد الخيلاء، كما دلت عليه الأحاديث الأخرى.
ومعنى آخر، يضاف إلى ما قلناه، وهو: أن أمر اللباس يخضع في كيفيته وصورته إلى أعراف الناس وعاداتهم، التي تختلف أحيانًا باختلاف الحر والبرد، والغنى والفقر، والقدرة والعجز، ونوع العمل، ومستوى المعيشة، وغير ذلك من المؤثرات.
والشارع هنا يخفف عن الناس القيود، ولا يتدخل إلا في حدود معينة ليمنع مظاهر السرف والترف في الظاهر، أو قصد البطر والخيلاء في الباطن، ونحو ذلك مما هو مفصل في موضعه. (انظر: كتابنا "الحلال والحرام" فصل: "الملبس والزينة").
ولهذا ترجم الإمام البخاري في أول "كتاب اللباس" من صحيحه (انظر: الفتح -252/10). باب قول الله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده). (الأعراف: 32)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة". (ذكره البخاري معلقًا بصيغة الجزم، وذكر الحافظ أنه لم يصله في موضع آخر. وقد وصله الطيالسي والحارث بن أبى أسامة في مسنديهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وليس في رواية الطيالسي: "في غير ..." إلخ. ولا في رواية الحارث: "وتصدقوا" ووصله ابن أبى الدنيا بتمامه في كتاب "الشكر" الفتح -253/10).
وقال ابن عباس: "كل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة". (قال الحافظ: وصله ابن أبى شيبة في مصنفه. المصدر السابق).
ونقل ابن حجر عن شيخه الحافظ العراقي في شرح الترمذي قال: ما مس الأرض منها (أي من الثياب) خيلاء، لا شك في تحريمه.. ولو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يكن بعيدًا. ولكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها، وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به. ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء، فلا شك في تحريمه. وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه، ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع.
ونقل القاضي عياض عن العلماء: كراهة كل ما زاد على العادة، وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة. (الفتح -262/10).
ومن هنا كان للعادة حكمها وللاصطلاح تأثيره كما قال الحافظ العراقي. والخروج على العادة أحيانًا يجعل صاحبه مظنة الشهرة، وثياب الشهرة مذمومة في الشرع أيضًا. فالخير في الوسط.
على أن من قصد بتقصيره ثوبه اتباع السنة، والبعد عن مظنة الخيلاء، والخروج من خلاف العلماء، والأخذ بالأحوط، فهو مأجور على ذلك، إن شاء الله، على ألا يلزم بذلك كل الناس، ولا يبالغ في النكير على من ترك ذلك، ممن اقتنع بقول من ذكرنا من الأئمة والشراح المحققين. ولكل مجتهد نصيب، ولكل امرئ ما نوى.
إن الاكتفاء بظاهر حديث واحد، دون النظر في سائر الأحاديث وسائر النصوص المتعلقة بموضوعه، كثيرًا ما يوقع في الخطأ. ويبعد عن جادة الصواب، وعن المقصود الذي سيق له الحديث.
انظر إلى حديث البخاري الذي رواه في كتاب "المزارعة" من صحيحه عن أبى أمامة الباهلي حين نظر إلى آلة حرث (محراث) فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل". (رواه البخاري في كتاب "المزارعة").
إن ظاهر هذا الحديث يفيد كراهية الرسول للحرث والزراعة، التي تفضي إلى ذل العاملين فيها، وقد حاول بعض المستشرقين استغلال هذا الحديث لتشويه موقف الإسلام في الزراعة.
فهل هذا الظاهر مراد ؟ وهل يكره الإسلام الزرع والغرس ؟
هذا ما تعارضه النصوص الصحيحة الصريحة الأخرى.
فقد كان الأنصار أهل زرع وغرس ولم يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخلوا عن زراعتهم وغراستهم، بل بينت السنة، وفصل الفقه الإسلامي أحكام المزارعة والمساقاة، وإحياء الموات، وما يتعلق بها من حقوق وواجبات.
وقد روى الشيخان وغيرهما عنه عليه الصلاة والسلام: "ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة". (متفق عليه من حديث أنس، اللؤلؤ والمرجان 1001).
ورواه مسلم عن جابر بلفظ: "ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقه، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، وما يرزؤه أحد (أي ينقصه ويأخذ منه) إلا كان له صدقة". (مسلم في كتاب المساقاة، باب فضل الزرع والغرس 1552).
وروى جابر أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم معبد حائطًا، فقال: "يا أم معبد، من غرس هذا النخل ؟ أمسلم أم كافر" فقالت: بل مسلم. قال: "فلا يغرس المسلم غرسًا، فيأكل منه إنسان ولا دابة، ولا طير، إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة". (المصدر السابق).
فهو مثاب مأجور عند الله ثواب الصدقة، على ما يؤخذ من ثمرة غرسه ولو لم يكن له فيه نية، مثل ما يأكله السبع والطير، وما يسرق منه السارق، وما يرزؤه به من يرزؤه من غير أن يأذن له فيه.
وهى صدقة باقية دائمة غير منقطعة ما دام هناك كائن حي ينتفع بهذا الغرس أو الزرع.
فأي فضل أعظم من هذا الفضل، وأي حث على الزراعة، آكد من هذا الحث ؟
وهذا ما جعل بعض العلماء قديمًا يقولون: إن الزراعة هي أفضل المكاسب.
ومن أبلغ وأروع ما جاء في الحث على الغرس والزرع، ما أخرجه أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد عن أنس: "إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم (أي الساعة) حتى يغرسها، فليغرسها". (رواه أحمد في مسند أنس (183/3، 184، 191) والبخاري في "الأدب المفرد". وصححه الألباني على شرط مسلم (الصحيحة رقم 19)، وأورده الهيثمي في "المجمع" مختصرًا وقال: رواه البزار ورجاله أثبات ثقات (63/4) وفاته أن يعزوه إلى أحمد).
وهذا في رأيي تكريم للعمل لعمارة الدنيا في حد ذاته، وإن لم يكن وراءه منفعة للغارس، أو لغيره من بعده، فلا أمل لأحد في الانتفاع بغرس يغرس والساعة تقوم !
وليس بعد هذا تحريض على الغرس والإنتاج ما دام في الحياة نفس يتردد فالإنسان قد خلق ليعبد الله، ثم ليعمل وليعمر الأرض، فليظل عابدًا عاملاً حتى تلفظ الدنيا آخر أنفاسها.
وهذا ما فهمه الصحابة والمسلمون في القرون الأولى ودفعهم إلى عمارة الأرض بالزراعة وإحياء الموات.
روى ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبى: ما يمنعك أن تغرس أرضك ؟ فقال له أبى: أنا شيخ كبير، أموت غدًا ! فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها ! فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبى.!! (الجامع الكبير للسيوطي. انظر: الصحيحة للألباني -12/1).
وروى الإمام أحمد عن أبى الدرداء: أن رجلاً مر به وهو يغرس غرسًا بدمشق، فقال له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: لا تعجل على، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من غرس غرسًا، لم يأكل منه آدمي ولا خلق من خلق الله، إلا كان له به صدقة". (أورده الهيثمي في "المجمع" وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثقون، وفيهم كلام لا يضر 67/4، 68).
إذن ما تأويل حديث أبى أمامة الذي رواه البخاري ؟
إن الإمام البخاري ذكره في باب "ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع أو مجاوزة الحد الذي أمر به".
قال الحافظ في "الفتح": "وقد أشار البخاري بالترجمة إلى الجمع بين حديث أبى أمامة، والحديث الماضي في فصل الزرع، والغرس، وذلك بأحد أمرين: إما أن يُحمل ما ورد في الذم على عاقبة ذلك، ومحله إذا اشتغل به، فضيع بسببه ما أمر بحفظه (كأن يضيع أمر الجهاد الواجب) وإما أن يحمل على ما إذا لم يضيع، إلا أنه جاوز الحد فيه.
وبعض الشراح قال: "هذا لمن يقرب من العدو، فإنه إذا اشتغل بالحرث لا يشتغل بالفروسية، فيتأسد عليه العدو، فحقهم أن يشتغلوا بالفروسية، وعلى غيرهم إمدادهم بما يحتاجون إليه". (انظر: فتح الباري -402/5- ط. الحلبي).
ومما يلقى شعاعًا على المراد من الحديث ما رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر مرفوعًا: "إذا تبايعتم بالعينة (العينة: أن يبيع شيئًا إلى غيره بثمن مؤجل، ويسلمه إلى المشترى، ثم يشتريه منه قبل قبض الثمن بثمن أقل من ذلك القدر يدفعه نقدًا، وهو في الحقيقة بيع غير مقصود. إنما المقصود النقود وهو من صور التحايل على أكل الربا). وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه، حتى ترجعوا إلى دينكم". (صححه الألباني بمجموعة طرقه، (الصحيحة 11). وفيه كلام ذكرناه في كتابنا "بيع المرابحة للآمر بالشراء").
فهذا الحديث يكشف عن أسباب الذل الذي يسلط على الأمة، جزاءً وفاقًا لتفريطها في أمر دينها، وإهمالها ما يجب عليها رعايته من أمر دنياها.
فالتبايع بالعينة يدل على أنها تهاونت فيما حرمه الله وشدد فيه وآذن فاعله بحرب من الله ورسوله، وهو الربا، فتحايلت على أكله بصور من التعامل، ظاهرها الحل، وباطنها الحرام المؤكد.
كما أن اتباع أذناب البقر والرضا بالزرع، يدل على الإخلاد إلى الزراعة والشؤون الخاصة، وعلى إهمال الصناعات، وبخاصة ما يتصل منها بالنواحي العسكرية.
أما ترك الجهاد، فهو ثمرة منطقية لما سبق.
وبهذه الأسباب مجتمعة يحيق الذل بالأمة، ما لم تراجع دينها.

سفر المرأة مع محرم:
( أ ) ومن ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس وغيره مرفوعًا: " لا تسافر امرأة إلا ومعها محرم". (متفق عليه، انظر اللؤلؤ والمرجان، حديث(850) . والأحاديث الثلاثة قبله).
فالعلة وراء هذا النهى هو الخوف على المرأة من سفرها وحدها بلا زوج أو محرم في زمن كان السفر فيه على الجمال أو البغال أو الحمير، وتجتاز فيه غالبًا صحارى ومفاوز تكاد تكون خالية من العمران والأحياء، فإذا لم يصب المرأة - في مثل هذا السفر - شر في نفسها أصابها في سمعتها.
ولكن إذا تغير الحال - كما في عصرنا - وأصبح السفر في طائرة تقل مائة راكب أو أكثر، أو في قطار يحمل مئات المسافرين، ولم يعد هناك مجال للخوف على المرأة إذا سافرت وحدها، فلا حرج عليها شرعًا في ذلك، ولا يعد هذا مخالفة للحديث، بل قد يؤيد هذا حديث عدى بن حاتم مرفوعًا عند البخاري :" يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تقدم البيت (أي الكعبة) لا زوج معها ". (رواه البخاري في كتاب " علامات النبوة في الإسلام").
وقد سيق الحديث في معرض المدح بظهور الإسلام، وارتفاع مناره في العالمين وانتشار الأمان في الأرض، فيدل على الجواز، وهو ما استدل به ابن حزم على ذلك.
ولا غرو أن وجدنا بعض الأئمة يجيزون للمرأة أن تحج بلا محرم ولا زوج، إذا كانت مع نسوة ثقات، أو في رفقة مأمونة، وهكذا حجت عائشة وطائفة من أمهات المؤمنين في عهد عمر، ولم يكن معهن أحد من المحارم، بل صحبهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف - رضى الله عنهم - كما في صحيح البخاري.
بل قال بعضهم: تكفى امرأة واحدة ثقة.
وقال بعضهم: تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنًا، وصححه صاحب المهذب من الشافعية.
وهذا من سفر الحج والعمرة، وطرده بعض الشافعية في الأسفار كلها. (انظر: فتح الباري(446/4). وما بعدها، ط. الحلبي).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
" فهم السنة في ضوء القرآن الكريم " الشيخ محمد العزالي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» " موقف أهل السنة والجماعة من العلمانية " جمع وإعداد محمد عبد الهادي المصري
» " حركة حماس " من كتاب " فتح وحماس من مقاومة الاحتلال إلى الصراع على السلطة " للأستاذ محمد يونس هاشم
» " سمات الشخصية اليهودية في التوراة " من كتاب " حقيقة اليهود والصهيونية وأوهام الامة العربية " للأستاذ محمد يونس هاشم
» مفهوم " الحجاب والجلباب والخمار" الشيخ أحمد الغامدي
» " القواعد الذهبية في أدب الخلاف " الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الخالق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أولى الألباب :: معلومات عامه-
انتقل الى: