أولى الألباب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


أولى الألباب
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مفهوم الشفاعة من كتاب " ميزان الحق " المؤلف محمد يونس هاشم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
admin1

admin1


المساهمات : 88
تاريخ التسجيل : 12/12/2009

مفهوم الشفاعة من كتاب " ميزان الحق " المؤلف محمد يونس هاشم Empty
مُساهمةموضوع: مفهوم الشفاعة من كتاب " ميزان الحق " المؤلف محمد يونس هاشم   مفهوم الشفاعة من كتاب " ميزان الحق " المؤلف محمد يونس هاشم I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 26, 2010 8:12 pm

مفهوم الشفاعة :
ولا يقبل من الكافر ولا ممن غضب الله عليه شفاعة ولا فداء .
{ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } ( غافر : 18 ) .
فالذين ظلموا أنفسهم فارتكبوا المعاصي والآثام وخالفوا شريعة الله فلن تنفعهم شفاعة الشافعين ولن يسمع فيهم شفاعة ولا يقبل منهم فداء حتى يأخذوا جزاءهم و إن كانوا موحدين – غير مشركين – .
{ وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } (البقرة : 48 ) .
{ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } ( المدثر : 48 ) .
فلا شفاعة فيمن اتخذ دينه لهوا ولعبا وغرته الحياة الدنيا ونسي ذكر الله .
{ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } ( الأنعام : 70 ) .
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } ( السجدة : 4 ) .
، حتّى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النّار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبـد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السّجود، وحرّم الله على النّار أن تـأكل أثر السّجود ، فيخرجون من النّـار، فكلّ ابن آدم تأكله النّـار إلاّ أثر السّجود، فيخرجون من النّار قد امتحشوا فيصبّ عليـهم مـاء الحياة فينبتون كما تنبت الحبّة في حميـل السّيل،"
، ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم -أو قال: بخطاياهم- فأماتهم الله إماتةً، حتّى إذا كانوا فحمًا أذن بالشّفاعة فجيء بهم ضبـائر فبثّوا على أنْهار الجنّة، ثمّ قيل: يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل "
وعلى فرض أن هذا العاصي كان معه ما في الأرض جميعا وأراد أن يفدي نفسه به من عذاب الله فلن يقبل منه
{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ( يونس : 54 ) .
لكن لا يعني هذا أنه ليس هناك شفاعة على الإطلاق يوم القيامة فالحقيقة أن هناك شفاعة لمن يستحقون الشفاعة من أهل الخلاص وهي مقيدة بأمرين :
أولا : إذن الله تعالى للشافع بأن يشفع لقوله تعالى :
{ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } ( البقرة : 255 ) .
{ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } ( سبأ : 23 ) .
{ يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } ( طه : 109 )
{ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } ( يونس : 3 ) .
{ وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى } ( النجم : 26 )
{ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }( الزمر : 44 ).
ثانيا : رضا الله تعالى عن المشفوع له لقوله تعالى :
{ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } ( الأنبياء : 28 ) .
أما من غضب الله عليهم كالكفار ، و مرتكبي الكبائر المصرِّين عليها وماتوا دون توبة نصوحا من جميع الأمم فلا شفاعة تمنعهم من دخول النار ولقد توعدهم الله تعالى بها لما ارتكبوا من كبائر الذنوب وبعد أن يأخذ عصاة الموحدين جزاءهم يستشفع الله فيهم من ارتضى من عباده الصالحين وعلى رأسهم خير المرسلين فيدخلون الجنة ، أما الكفار والمشركين فخالدون مخلدون في النار أبدا ولن تنفعهم شفاعة الشافعين .
نقول هذا لأن كثيرا من المسلمين فهم الشفاعة خطأ فظن أنه مادام من أمة محمد فإنه حتما سيدخل الجنة ولن يعرض على النار ولن يدخلها وإن قتل و زنا وسرق وارتكب كبائر الإثم و الفواحش بفضل شفاعة النبي لن يدخل مسلم النار " فأمة محمد بخير " ! .
والآيات القرآنية شديدة الوضوح في دخول الكفار و المجرمين وأهل الكبائر النار من المسلمين أو من غيرهم – ما لم يتوبوا توبة نصوحا - .
{ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } ( مريم : 86-87 ) .
و إلا ما قيمة أوامر الله تعالى ونواهيه إن كان كل المسلمين – برهم و فاجرهم – سيدخلون الجنة ولن يمسهم عذاب من النار ! وأين عدل الله تعالى إن كان جميع المسلمين - برهم وفاجرهم – ينجون من عذاب الله ، فلمن يكون العذاب إذن للكفار والمشركين فقط ؟!!
وماذا يقولون في قوله تعالى { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا }( النساء : 31 ) فما حكم من لم يجتنب كبائر ما نهى الله تعالى عنه ؟ هل سينجى من النار ويدخل الجنة أيضا ؟!
وماذا يقولون في قوله تعالى { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ( الشورى : 36- 39 ) .
وماذا يقولون في قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } (النجم : 31- 32)
الحقيقة أن من ذهل عن آي الذكر الحكيم واكتفى بالمرويات دون فقه صحيح وعقل سليم فلن يصح له دين ولن يصح له عمل . ويصير كالحمار يحمل أسفارا .
إن كثيرا ممن يقرءون أحاديث الشفاعة – أو تقرأ عليهم – دون فهم صحيح لها في ضوء الهدي القرآني والهدي النبوي يسيء فهم أحاديث الشفاعة ولكن لابد من ضم الأحاديث بعضها إلى بعض و الآيات الكريمة حتى يصح الفهم واستنباط الحكم الصحيح . فكما بينا أن الله تعالى : قد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين اجتنبوا كبائر الإثم والفواحش بأن يتجاوز عن صغائر ذنوبهم ويدخلهم الجنة ، أما أهل الكبائر الذين عصوا الله والرسول  فليس لهم إلا النار سواء أكانوا من أمة محمد أو من أمة غيره من الأنبياء صلى الله عليهم جميعا .
{ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ( النساء : 14 ) .
{ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا } ( النساء : 115 ) .
{ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } ( الرعد : 18 ) .
إن هذا الفهم المغلوط للشفاعة ليجرأ الناس على ارتكاب المعاصي والآثام ويغريهم بالفحش في القول والعمل .
فإذا جئنا على الأحاديث الصحيحة فهي ناطقة بما قرره القرآن الكريم ولا تخالفه وهي ناطقة وواضحة ببطلان هذا الفهم السقيم للشفاعة .
فعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله  " إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقول إنهم مني . فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟ فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي .( متفق عليه ). .(سحقا سحقا) معناه: بعدا بعدا. والمكان السحيق البعيد. ونصب على تقدير ألزمهم الله سحقا أو سحقهم سحقا .
َقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ  : "إِنّي عَلَىَ الْحَوْضِ حَتّىَ أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيّ مِنْكُمْ. وَسَيُؤْخَذُ أُنَاسٌ دُونِي. فَأَقُولُ: يَا رَبّ مِنّي وَمِنْ أُمّتِي. فَيُقَالُ: أَمَا شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَاللّهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَكَ يَرْجِعُونَ عَلَىَ أَعْقَابِهِمْ " ( رواه مسلم ) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وصحيحة .
أما حديث " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " ( الترمذي وأبو داود وغيرهما )
"إني ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة " ( رواه الطبراني في الأوسط )
فهذان الحديثان وما في معناهما محمولة على : توبة مرتكب الكبائر عنها في الدنيا ، أو دخولهم النار وقضاء أجلهم فيها ثم يشفع النبي لهم فيخرجون من النار بإذن الله تعالى .
تأمل معي هذا الحديث وهو في الصحيحين من حديث أنس عن النبي r قال "إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض. ـ فيأتون آدم ـ وذكر الحديث ـ وقال فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فقال: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فافعل ثم أرجع إلى ربي، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل، ثم أعود إلى ربي، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق فمن كان في قبله أدنى وأدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلى ربي في الرابعة، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، سل تعطه واشفع تشفع فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، قال: ليس ذلك لك، ولكن وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي، لأخرجن من قال: لا إله إلا الله". ( متفق عليه )
وهذا الحديث يبين أن الشفاعة التي هي لأهل الكبائر تكون بعد دخولهم النار لا قبل دخولهم فإن الله تعالى في كل مرة يقول للنبي فأخرجه منها أو أخرجه من النار فيخرج من النار بعد قضاء أجلهم فيها ما شاء الله تعالى ، ويكون الخروج على حسب المعاصي فمن قلت معاصيه خرج أولا ثم الأدنى فالأدنى الفرق بين خروج كل جماعة كبير جدا بمقاييس الدنيا فلا يستهين الواحد بعذاب الله تعالى ولو لمدة قصيرة في النار فإن اليوم فيها بخمسين ألف سنة { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } ( الحج : 47 ) .
ونختم حديثنا عن الشفاعة بما قاله العلامة ابن القيم
" فقد تضمنت هذه الأحاديث خمسة أنواع من الشفاعة .
أحدها: الشفاعة العامة التي يرغب فيها الناس إلى الأنبياء، نبياً بعد نبي، حتى يريحهم الله من مقامهم.
النوع الثاني: الشفاعة في فتح الجنة لأهلها.
النوع الثالث: الشفاعة في دخول من لا حساب عليهم الجنة.
النوع الرابع: الشفاعة في إخراج قوم من أهل التوحيد من النار.
النوع الخامس: في تخفيف العذاب عن بعض أهل النار.
ويبقى نوعان يذكرهما كثير من الناس.
أحدهما: في قوم استوجبوا النار فيشفع فيهم أن لا يدخلوها. وهذا النوع لم أقف إلى الآن على حديث يدل عليه.
وأكثر الأحاديث صريحة في أن الشفاعة في أهل التوحيد من أرباب الكبائر إنما تكون بعد دخولهم النار، وأما أن يشفع فيهم قبل الدخول، فلا يدخلون. فلم أظفر فيه بنص.
والنوع الثاني: شفاعته r لقوم من المؤمنين في زيادة الثواب، ورفعة الدرجات. وهذا قد يستدل عليه بدعاء النبي r لأبي سلمة، وقوله "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين". وقوله في حديث أبي موسى "اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك".
وفي قوله في حديث أبي هريرة "أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله" سر من أسرار التوحيد. وهو أن الشفاعة إنما تنال بتجريد التوحيد، فمن كان أكمل توحيداً كان أحرى بالشفاعة. لا أنها تنال بالشرك بالشفيع. كما عليه أكثر المشركين وبالله التوفيق " .
فجزاء الله عدل وقضاؤه سبحانه إنصاف فكيف يتصور إنسان مؤمن بالله العادل المقسط أن الله تعالى يجبر بعض الناس على الإيمان والطاعة ، ويجبر آخرين على الكفر والمعصية فيدخل هؤلاء الجنة وأولئك النار ، أو يسوي بين المترفع عن الصغائر ومرتكب الكبائر في دخول الجنة والنجاة من النار !!
هذا مستحيل في حق الله تعالى القائل :
{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } ( الأنبياء : 47 ) .
وهناك عشرات الآيات ينفي فيها الله تعالى الظلم عن نفسه .
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } ( هود : 111 ) .
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } ( النساء : 40 ) .
{ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ } ( غافر : 31 ) .
{ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }( الكهف : 49 ) .
{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } ( الحج : 10 ) .
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } ( فصلت : 46 ) .
وهناك خمس عشرة آية اشتملت على " لاَ يُظْلَمُونَ " للغائب ، و " لاَ تُظْلَمُونَ " للمخاطب منها .
{ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ( البقرة : 281 )
{ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ( آل عمران : 161 )
{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } ( النساء : 124 ) .
{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } 0 النحل : 111 ) .
{ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }( المؤمنون : 62 ) .
ولقد أمر الله تعالى المؤمنين بالعدل وحرّم عليهم الظلم .
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } ( النساء : 58 )
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ( النحل : 90 ) .
بل نص القرآن على وجوب العدل المطلق مع كل الناس أقارب كانوا أو غرباء ، أغنياء أو فقراء .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } ( النساء : 135 )
{ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ( الأنعام : 152 ) .
بل يذهب القرآن الكريم إلى أبعد من هذا إنه يأمر المؤمنين بإقامة العدل حتى مع الأعداء .
{ يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المائدة : 8 ) .
فهل يتصور عاقل أن هذا الإله العادل الذي أمر بالعدل حتى مع الأعداء يظلم !!
ولماذا يظلم الله تعالى ؟
إن الناس يظلمون طمعا في مال أو منصب أو جاه أو يظلمون لقرابة أو نسب أو لهوى مُتَّبع أو لخوف من بطش باطش أو لإرضاء ذي سلطان .
والله تعالى المال ماله والخلق كلهم عبيده {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } ( الأنعام : 18 ) . ، وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى } ( طه : 6 ) . وهو مالك الملك {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ( آل عمران : 26 ) . وهو بيده مقاليد كل شيء { لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ( الشورى : 12 ) . وأمره تعالى بين الكاف والنون { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ( يس : 82 ) . وهو الغني الحميد { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } ونحن الفقراء إليه { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ( فاطر : 15 )
{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } ( محمد : 38 ) .
ونختم هذا الموضوع بالحديث القدسي الذي يقول الله تعالى فيه : "يَا عِبَادِي إِنّي حَرّمْتُ الظّلْمَ عَلَىَ نَفْسِي. وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرّماً. فَلاَ تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي كُلّكُمْ ضَالّ إِلاّ مَنْ هَدَيْتُهُ. فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي كُلّكُمْ جَائِعٌ إِلاّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ. فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي كُلّكُمْ عَارٍ إِلاّ مَنْ كَسَوْتُهُ. فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي إِنّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعاً. فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرُ لَكُمْ. يَا عِبَادِي إِنّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرّي فَتَضُرّونِي. وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي لَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنّكُمْ. كَانُوا عَلَىَ أَتْقَىَ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ. مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً. يَا عِبَادِي لَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ. وَإِنْسَكُمْ وَجِنّكُمْ. كَانُوا عَلَىَ أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً. يَا عِبَادِي لَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ. وَإِنْسَكُمْ وَجِنّكُمْ. قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي. فَأَعْطَيْتُ كُلّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ. مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمّا عِنْدِي إِلاّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِي إِنّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ. ثُمّ أُوَفّيكُمْ إِيّاهَا. فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللّهَ. وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنّ إِلاّ نَفْسَهُ". ( رواه مسلم ) .
لا حظ معي قوله تعالى " فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ " تجد أن الله تعالى لا يجبر أحدا على هداية إنما الذي يريد أن يهتدي يهديه الله فالألف والسين والتاء في " استهدوني " تعني طلب الهداية وكذلك في " فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرُ لَكُمْ " فمن أرادا أن يغفر الله تعالى له فعليه أن يستغفر الله وختام الحديث صريح في دلالته على عدل الله تعالى ولا يحتاج لبيان " . يَا عِبَادِي إِنّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ. ثُمّ أُوَفّيكُمْ إِيّاهَا. فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللّهَ. وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنّ إِلاّ نَفْسَهُ "
إذن الإنسان مخير فيما سيحاسبه الله تعالى عليه ومما سيحاسبه الله تعالى عليه تزكية نفسه من فجورها من : الطمع ، والكبر ، والحسد ، والجبن ، والبخل ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مفهوم الشفاعة من كتاب " ميزان الحق " المؤلف محمد يونس هاشم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» يسر العقيدة الإسلامية من كتاب " ميزان الحق " المؤلف : محمد يونس هاشم
» الإنسان مسير أم مخير من كتاب " ميزان الحق " المؤلف محمد يونس هاشم
» أعوان الإنسان على الإيمان والطاعة من كتاب " ميزان الحق " المؤلف محمد يونس هاشم
» أنواع القلوب : من كتاب ميزان الحق المؤلف محمد يونس هاشم
» حب الرياسة والجاه من كتاب ميزان الحق المؤلف محمد يونس هاشم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أولى الألباب :: ديانات-
انتقل الى: